السبت، 6 فبراير 2021


جامعة الاسكندرية

كلية التربية

قسم المناهج و طرق التدريس

الاتجاهات الحديثة و المعاصرة في إعداد المعلم

إعداد فريق العمل

تحت إشراف الاستاذ الدكتور / سعيد نافع

 

 مما لاشك فيه أن منظومة التعليم العربي في حاجة ماسة إلى إعادة التقييم والتطوير  التحديث، و تحت مظلة التقدم العلمي و التكنولوجي و مفردات الثورة المعلوماتية، واصلاح التربية ، فإن دور المعلم لن يتناقص، بل سيزداد أهمية ونحتاج فيه إلى معلم كفء لمسايرة هذا التحديث والتطور؛ وشئنا أم أبينا سيظل للمعلم مكانه ومكانته في منظومة التعليم، فالمعلم هو حجر الزاوية في كل إصلاح أو تطوير تربوي، ويعد عنصرا فاعلا في تحقيق أهداف التربية ، لهذا صار من الضروري إعادة إعداد المعلم، وتطوير مصادر إعداده علمياً ومهنياً؛ لكي يتمكن من القيام بأعباء تنشئة جيله. فقد صار دور المعلم اليوم لا يقتصر على نقل المعرفة وانما تحول إلى مسؤول عن العديد من الأدوار التي يجب أن يقوم بها، التي تتعلق بشتى مجالات الحياة وجوانبها

 فهو باحث ومصمم للخبرات التعليمية والتكنولوجية ،ومرشد وميسر للعمليات ومقوم ومدير وقائد للعملية التعليمية، كل هذه الأدوار في سبيل إتاحة خدمات تعليمية ثرية لهؤلاء المتعلمين في كل المستوىات الد ا رسية.  وهكذا تبدو الحاجة إلى رفع أداء وكفاءة المعلم  أكثر من ضرورة ، حتى يستطيع التكيف مع آليات العصر، ولا يتأتى ذلك إلا باستخدام  استراتيجيات ومداخل حديثة ومبتكرة في إعداده.

 الواقع إن تطوير إعداد المعلم يعتبر من أكثر ميادين التربية دعوة للإصلاح باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية والتدريسية وأنه إذا صلح المعلم صلح التعليم (مرسي، 1996م). وقد خلص بشارة في كتابه " تكوين المعلم العربي والثورة العلمية " في منتصف الثمانينات من القرن الماضي الميلادي إلى أن أهم ما يميز واقع برامج إعداد المعلم العربي ما يلي:

  تعجز برامج التكوين الحالية عن تزويد الطالب ـ المعلم بمهارة التعلم الذاتي، الأمر الذي يجعله غير قادر على متابعة التغيرات التي تطرأ على محتويات المنهج نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث (عصر العولمة)

لا يحظى الجانب العملي التطبيقي في برامج الإعداد بالقدر الكافي من الاهتمام، بل يغلب عليه الطابع الشكلي في الإشراف والتنظيم، بينما تبالغ هذه البرامج في أهمية الدراسات النظرية ذات السمة غير الوظيفية مما أدى إلى معاناة حقيقية لدى خريج تلك المؤسسات من شعور بالفجوة بين ما مر به من خبرات خلال إعداده وما يواجهه في حياته العملية، ولا شك أن هذا ينعكس سلباً على أداء المعلم.

 التكامل بين الجوانب الثلاثة لبرامج إعداد المعلم ( الأكاديمي، الثقافي والمهني) موجود كفكرة، بينما هو غائب في الممارسة العملية، فالتنسيق ضعيف للغاية بين القائمين على تعليم الجانب التخصصي والثقافي، وضعيف كذلك بين كل من الجانبين التخصصي والثقافي وبين الجانب المهني، مما ينعكس بدوره على عملية الإعداد بحيث يبدو البرنامج وكأنه مجموعة من المواد المنفصلة التي لا رابط بينها. ويصبح الأمر بالنسبة للطالب مجرد دراسة كل مادة بصورة مستقلة لأداء الاختبار فيها، بل غالباً ما يخفى على الطالب دواعي ومبررات دراسة الموضوعات التي تعلمها.

إن تقويم نمو الطلاب يتم بصورة متخلفة رغم أن مؤسسات إعداد المعلمين تهتم بالقياس والتقويم التربوي كمقررات دراسية في إطار الإعداد المهني، إلا أن هذه المؤسسات نفسها تستخدم الأساليب القديمة في تقويم طلابها، وكثيراً ما يتم التركيز على تقويم الجانب التحصيلي فقط. (بشارة، 1406هـ)

ولقد توصلت دراسة قُدّمَت إلى حلقة عن إعداد المعلم في العالم العربي نظمها مركز البحوث التربوية والنفسية في كلية التربية بجامعة أم القرى بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (حجروآخرون، 1982م)، إلى مجموعة من الحقائق، من أهمها:

إن مجموعة الضوابط المكونة لفلسفة إعداد المعلم العربي كانت ولا زالت تقوم على نظرة جزئية، لا نظرة شاملة. فلم توضح العلاقة بين إعداد معلم المرحلة الابتدائية، وإعداد معلم المرحلة الثانوية، وإعداد معلم التعليم الفني. ومن هنا يأتي التضارب أحياناً والتداخل أحياناً، والتباعد في أكثر الأحيان.

ما يزال اعتقاد بعض السلطات بأن لها الأحقية في الاشراف على إعداد المعلم لأنه يعمل في مدارسها. إن السياسة التربوية الحالية لإعداد المعلم العربي ما تزال بطيئة في تقبل ما هو مستحدث وجديد ( من أمثلة هذه المستحدثات: التعليم الذاتي، التعليم المبرمج، التعليم المصغر، الإعداد القائم على الأداء، الإعداد القائم على أساس التمكن والمقدرة، استخدام أوعية تكنولوجية حديثة لنقل المادة العلمية تعتمد على قوالب تنظيم محتوى المنهج مثل المنظومات والتعيينات وغيرها من الأساليب والاستراتيجيات والاتجاهات المستحدثة). 

 وهكذا يمكن الاستطراد في سرد التحديات التي تتعلق بإعداد المعلم العربي والتي عبرت عنها المؤتمرات والبحوث والدراسات الخاصة بإعداد المعلم.  وبالاستعانة بنتائج تلك المؤتمرات والبحوث يمكن تحديد أهم التحديات التي تواجه إعداد المعلم العربي في عصر العولمة على النحو التالي:

العناية بإعداد معلمي المستقبل لتربية تلاميذهم تربية قائمة على مبادئ العقيدة الإسلامية، ولتوجيه تدريس مواد تحصصهم توجهاً إسلامياً. العناية باللغة العربية الفصحى ليس فقط من كونها لغة مصادر الثقافة الإسلامية، ولكن أيضاً من حيث كونها لغة تدريس جميع المواد الدراسية.

 إعداد معلمي المستقبل لإجراء البحوث التربوية التي تسهم في إيجاد حلول لمشكلات كل من المتعلمين والمناهج الدراسية والإدارة المدرسية وغيرها من المشكلات التربوية.

 العناية باكتساب المعلم كفايات العمل داخل حجرة الدراسة، ومن ثم التركيز على اكتساب المهارات اللازمة لذلك من خلال الأساليب الحديثة مثلا لتعليم المصغر والتحليل اللفظي للأداء وغيرها. التركيز على كل من التقويم الذاتي وتقويم النمو الشامل للتلاميذ باستخدام أساليب موضوعية متنوعة، واستثمار التغذية العائدة من التقويم في التشخيص والعلاج. العناية بمهمات المعلم في حال استخدام الحاسب الآلي أو التعليم المبرمج أو التعليم عن بعد أوغيرها من الأساليب التي تُغير من النمط التقليدي لمهمات المعلم في العملية التعليمية. العناية بمختلف جوانب مسؤوليات المعلم التربوية التي سوف يواجهها في عمله مثل:

تحديد الأهداف التربوية والتعبير عنها بأسلوب إجرائي ولغة دقيقة وترجمتها إلى أنماط سلوكية، والتخطيط لتحقيق هذا السلوك والتعاون مع الآخرين لتحقيقه. إعداد المعلم لمهمات أخرى في عصر العولمة مثل:

 إرشاد الطلاب وتوجيههم وحل مشكلاتهم، وإسهامه في خدمة بيئة المدرسة بما يجعل المدرسة مركز إشعاع ثقافي وتربوي بما يُعين على التغلب على محاذير العولمة الخاصة بالغزو الثقافي وتقليص العلاقة الحميمة بين المثقف والحياة من حوله. العناية بالتطورات الحديثة في مجال التخصص، وبالمهارات التدريسية بما يُقدم منه في المناهج الدراسية. العناية بتطبيقات مادة التخصص في المقررات الدراسية الأخرى بالمرحلة التي يعد المعلم للتدريس فيها وتطبيقاتها في الحياة العملية.

التركيز على المهارات التدريسية التي تساعد المعلم على أن يُعنَى بتنمية طلابه تنمية شاملة، وأن يفتح لهم آفاق التفكير الناقد بما يُمَكّنهم من إدراك مخاطر العولمة المتمثلة في الغزو الثقافي والتواصل الإعلامي الذي يسعى للاستحواذ على ثقافة ووجدان الأمة وتهديد موروثاتها الاجتماعية. الاهتمام باكتساب المعلم للمهارات الخاصة باختيار التقنية التعليمية الحديثة ووسائلها المعاصرة حتى يكون قادراً على استيعاب واستخدام نتاج الثورة التقنية والاستفادة من إنجازات العلوم وثورة المعلومات التي فتحت آفاقاً جديدة في شتى المجالات. الاهتمام باكتساب المهارات التدريسية الخاصة بتعليم الأعداد الكبيرة من الطلاب ،والعناية بالفروق الفردية، والعناية باستخدام أساليب التدريس الحديثة مثل التدريس بالفريق، والتدريس لتحقيق التمكن، وتفريد التعليم، واستخدام المكتبة، وإجراء البحوث والدراسات الميدانية وغيرها. الاهتمام بتخطيط النشاط المدرسي وتنفيذه وتقويمه بما يحقق الأهداف التربوية المنشودة منه، ومنها:

ممارسة الشورى والمحافظة على الحق العام وحقوق الآخرين. تنمية مواهب الطلاب وقدراتهم ورعاية ميولهم المفيدة. تعويد الطلاب على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية.

مساعدة الطلاب على اكتساب الثقة بالنفس واكتساب مهارات القيادة. إتاحة فرص الإبداع والابتكار، والتعبير عن النفس بالأسلوب المناسب.

فتح قنوات الاتصال بين المجتمع المدرسي وبيئة المدرسة. وهي أهداف ـ في مجملها ـ تسعى إلى المحافظة على الموروثات الاجتماعية للأمة وعلى هويتها الدينية والثقافية، وفي هذا سعي لمواجهة ما يُتَوقع أن تعود به العولمة من أضرار في المجال التربوي الثقافي الاجتماعي من تهديد للموروثات الاجتماعية وتعميم الثقافات الغربية والغزو الثقافي للاستحواذ على ثقافة ووجدان الأمة وتكثيف النهج الإستهلاكي. 

.العناية بتزويد المعلم بالمفاهيم الحديثة لتنظيم خبرات المنهج الدراسي مثل مفهوم النظم، ومفهوم المنظومة، ومفهوم التعليم المبرمج وغير ذلك من المفاهيم.

.إعداد المعلم للتغيرات في أدواره التي فرضتها تحديات العولمة: أن المعلم لم يعد المصدر الوحيد للمعلومات ولكن تنافسه مصادر أكثر جاذبية للتعلم مثل التلفاز والحاسب الآلي والإنترنت.  

أن مهمته تجاه المتعلمين لم تعد مجرد نقل للمعرفة وتلقين المعلومات ولكن سوف تركز على إثارة دوافع المتعلمين نحو التعلم، وتحديد حاجاتهم من الخبرات، ومتابعة نموهم، وتشخيص جوانب الضعف فيه، ورسم الخطط لعلاجها.  أن اكتساب المتعلم للتعليم الذاتي وحل المشكلات وأساليب التفكير الإبتكاري وسرعة الاطلاع والاستيعاب، ومتابعة مصادر المعلومات، وحسن الاستفادة منها، والحرص على استثمار أوقات الفراغ، والقدرة على التكيف للمواقف الجديدة، والاستفادة بالتقنية ووسائلها في عملية التعلم، أصبحت في عصر العولمة ذات أهمية بالغة في عمليتي التعليم والتعلم. أن تنظيم بيئة وخبرات التعلم وأساليبه وحداثتها، وحسن الاستفادة من التغذية العائدة من البحث العلمي والتقويم المتواصل لنمو المتعلمين.  

أن دور المعلم التربوي ينبغي أن يحتل حيزاً أكبر في مواجه الغزو التربوي الذي تبثه وسائل الاتصال الحديثة، وما يكتنف عصر العولمة من إهتزاز خلقي وتكثيف للنهج الاستهلاكي، وأن على المعلم أن يتعاون مع مؤسسات المجتمع مثلا الأسرة والمسجد والتنظيمات الثقافية لأداء هذا الدور بنجاح.

. لكي تسهم كليات إعداد المعلم في إعداده للبحث والتجريب التربوي، ينبغي أن تقود تلك الكليات حركة تجريب تربوي تستشرف فيها حاجات المتعلمين والمعلمين، وتطور من خلالها برامجها الخاصة ومناهج التعليم عامة، وتكون مؤسسات لتدريب طلابها على البحث والتجريب في مجال التربية، كما تكون مجالاً لتوجيه المؤسسات التربوية للتفاعل مع معطيات البيئة المحلية تفاعلاً بناءً.

. العمل على إحداث التوازن المناسب بين مختلف جوانب برنامج إعداد المعلم بما يحافظ على التكامل بينها، وبما يؤدي إلى إعداد معلم يمتلك المهارات المختلفة التي تؤهله لممارسة مهنة التعليم بنجاح في عصر العولمة.